قضايا عامة

خطّة التّعليم في وقت الأزمات للعام الدّراسي 2021-2022 للدكتورة ندى عويجان

لقد تخطّينا الخطوط الحُمر، مش لازم يخسر اولادنا سنة دراسيّة ثالثة…
ما هو مصير العام الدّراسي المقبل، وكيف يمكن التّحضّر له بأقل ضرر ممكن؟
مقالة للرئيسة السابقة للمركز التربوي للبحوث والانماء والأستاذة في الجامعة اللبنانية والباحثة الاجتماعية والتربوية الدكتورة ندى عويجان
 بعد أن أشرنا في أكثر من مناسبة عن ضرورة تحضير برنامج للتّعليم في وقت الأزمات وبعد أن وضعنا مسودّة اقتراح الحلول الممكنة للعام الدّراسي المقبل منذ بداية شهر شباط 2021، في المقال الذي نشرناه في حول “التّعلّم عن بعد: متطلباته، نتائجه وتداعياته والحلول الممكنة”
 وبعد عامين دراسيّين، افتقر فيهما تلامذتنا للتّعليم والتّعلّم، ورُميت فيهما المسؤوليّة على عاتق المعلّمين والمدارس والأهل، وترافقت معهما القرارات العشوائيّة والاستنسابيّة الغير منسجمة مع الواقع التّربوي،
 وبعد أن تخطّينا الخطوط الحُمر لجهوزيّة العام الدّراسي المقبل الذي سيبدأ بعد حوالي الشهرين،
 وفي ظل توجّه اهتمام القيادة التربويّة للإستثمار في امتحانات رسميّة مغلوطة، غير عادلة، وغير مجديَة.
 وبعد أن بات مشهد العام الدّراسي المقبل مشابه لمشهد العام الدّراسي الماضي،
نجد أنفسنا أمام مسؤوليّة وضع النسخة المجددّة لما سبق لنا أن نشرناه وقلناه سابقاً، حول المجالات التي يمكن العمل من خلالها، للمضي قدماً بعام دراسي آمن نفسيّاً وصحّياً وتربوياً.
ما هو مصير العام الدّراسي المقبل، وكيف يمكن التّحضّر له بأقل ضرر ممكن؟
نحن نعيش حالة حرب باردة فتّاكة، تطال جميع القطاعات في المجتمع، مليئة بالتحدّيات والتناقضات والانهيارات على أنواعها. وقطاع التّعليم ليس بمنأى عن هذه التّجاذبات. الأمر الذي يتطلّب التّعاون وتضافر الجهود لتخطّي الأزمة وللوصول، قدر المستطاع، الى الجودة في التّعليم والى العدالة والإتاحة لجميع التّلامذة والمعلّمين. لذلك لا بدّ من عرض تصوّر من ثلاثة مستويات (مستوى الحوكمة العامّة، مستوى المجالات التّربويّة الاجرائيّة ومستوى الوعي الوطنيّ)، متعدد الأبعاد، ومتنوّع المجالات. يمكن لمجالات هذا التصوّر أن تترجم وتفصّل، في وقت لاحق، ضمن خطّة عمل اجرائيّة قابلة للتنفيذ:
1- مستوى الحوكمة العامّة ويتضمّن :
1-1- وضع خطّة طوارئ تربويّة للتعليم في وقت الأزمات، متشعّبة ومشبّكة مع القطاعات الأخرى وتظهر التّعاون بين الوزارات المعنيّة. تترافق مع خطّة طوارئ عامّة،
1-2- وضع رؤية واضحة، واسترتيجيّة تربويّة مستدامة قابلة للتكيُّف، تُحاكي العصر، وتستجيب لبرنامج التّعليم في وقت الأزمات، وذلك بالشّراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ. تترافق مع خطّة عمل إجرائيّة جامعة ومرنة وجريئة، قابلة للتّطبيق، تتضمّن الأهداف العامّة والخاصّة، القريبة والمتوسّطة والبعيدة المدى، مع المجالات والإجراءات، والأنشطة، والمنتجات، والنواتج المتوقّعة، والموارد البشرية والماديّة والعلاقات والكلفة التقديريّة… مع روزنامة عمل قابلة للتنفيذ، وإجراءات عمليّة للمتابعة والتّقييم المستمر والتصويب،
1-3- التعاون بين وزارة التّربية والمركزالتربوي والتّفتيش التّربوي كل بحسب صلاحيّاته القانونيّة، ومع المعنيين من اتحادات للمدارس والنّقابات وروابط المعلّمين ولجان الأهل،
1-4- حشد الإستثمارات والتّمويل اللّازم لإنجاح الخطّة،
1-5- إعادة برمجة الهبات والقروض مع الدّول والمنظّمات المانحة، بحسب حاجة القطاع الاستثنائيّة، مع اعتماد مبدأَي التّقييم والمحاسبة،
1-6-  تفعيل دور أجهزة الرّقابة،
1-7- اشراك اللجان النيابيّة المعنيّة بالتفكّر التّربوي، لتسهيل استصدار التّشريعات اللّازمة لخدمة الخطّة المنشودة،
1-8- ابعاد التّربية عن السياسة والحفاظ على استقلاليّة القرار التّربويّ وعلى المؤسسات التربويّة، سيّما المركز التّربويّ للبحوث والإنماء وإحباط أيّ محاولة لإلغائه أو سحب صلاحيّاته أو ضمّه إلى المديريّة العامّة للتّربية، إنسجاماً مع ما ورد في القوانين المرعيّة الإجراء.
1-9- العمل على عصرنة النّظام التّربويّ، وتطوير المنظومة التّربويّة باتجاه الجودة والإتاحة والعدالة في التّعليم.
2- مستوى المجالات التّربويّة الاجرائيّة ويتضمّن:
2-1- المجال التّربوي:
– وضع برنامج التّعليم في وقت الأزمات يترافق مع برنامج للدعم المدرسي: برنامج تربويّ مكثّف، يجمع سنتين أو ثلاث سنوات في سنة واحدة، بحسب الصّفّ. يشبه مقاربة مشروع برنامج التّعليم المكثّف  ALP. بحيث يُخفّف فن “حشو” المنهج، ويتمّ التّركيز فيه على الكفايات التّعليميّة والمعارف الأساسيّة، خاصّة المستمرّة. آخذين بعين الاعتبار خصوصيّة صفوف الثّانويّة العامّة، والصّف التّاسع، والصّفوف الانتقاليّة بين الحلقات والمراحل، والصّفوف الأخرى وصفوف الرّوضة.
– فتح مخيّمات تعليميّة مقيمة من أسبوعين الى 4 أسابيع قابلة للتجديد، خاصّة لصفوف الشهادات، بحسب الامكانيّات والظّروف المتاحة،
– وضع الإطار المرجعي للتعلّم عن بعد: أسس التعلّم عن بعد، المقاربة التّعليميّة-التّعلّميّة، طرائق التّعليم المعتمدة، أسس التقييم والتقويم،
– التّركيز على التّعلّم بالمشاريع: لسهولة اعتماد هذه المقاربة خلال التّعليم عن بعد والتّعليم الوجاهيّ، إضافة إلى الأثر الإيجابيّ الّذي يعكسه التّعلّم بالمشاريع على المشاركة الفاعلة للمتعلّم في عمليّة التّعليم والتّعلّم، لاعتماده على وسائل متعدّدة وطرائق مختلفة، ما ينمّي عند التّلامذة كفايات متعدّدة كالإبداع والفكر النّاقد وحلّ المسائل والعمل التّعاوني وغيرها، وما يبعدهم عن التّعليم الرّوتينيّ السّلبيّ. على أن تحددّ لهذه الطرّيقة بالتّعليم والتّعلّم الأسس العامّة والأدوات المتاحة والتّعليمات المطلوبة، وأن يتم التّدريب اللّازم عليها للمعلّمين،
– إنشاء المدرسة الافتراضيّة الّتي تحدّثنا عنها في آذار 2020، وتوجّهنا بها إلى أكثر من جهة، وطالبنا بها في أكثر من مناسبة.
2-2- المجال التّربوي-التّقني واللوجستي:
– تطوير منصّة وطنيّة للتّعليم والتّعلم: (منصّة المركز التّربوي) بيئة إلكترونيّة مركزيّة آمنة تتضمّن خدمات متنوّعة، سيّما المكتبة الرقميّة للموارد التّربويّة، المحليّة والعالميّة مشبّكة مع المنهج اللبناني، لجميع الصّفوف ولمختلف المواد، مع نظام خاص للتعلّم، وصفوف افتراضيّة وغيرها. يمكن أن تستفيد منها المدارس الرسميّة ومن يرغب من المدارس الخاصة،
– تأمين الأنترنيت المجّاني، مع وزارة الاتّصالات وأوجيرو، أو بطاقة اشتراك أنترنيت،
– تأمين التيّار الكهربائي أو ما يعادله (اشتراك بالموتور)،
– تأمين سلّة تربويّة كاملة تتضمّن منحًا تعليميّة ماديّة (منح تعليميّة لدعم للأقساط المدرسيّة) وعينيّة (كمبيوتر، باد، كتب رقميّة، كتب ورقيّة، قرطاسيّة، حقيبة مدرسيّة، مقلمة…)
– تأهيل المدارس قدر المستطاع لتتمكّن من تأدية واجباتها.
2-3-  مجال الصّحة النفسيّة والصّحة الجسديّة:
– وضع برنامج جريء للتدخّل، وللدّعم النفسيّ-الأخلاقيّ-الاجتماعيّ: فرديّ وجماعيّ، لكلّ من المعلّمين، والتّلامذة وذويهم وجميع العاملين في القطاع التّربويّ، لتخطّي تداعيات الأوضاع الرّاهنة والمشاكل المتراكمة، وإعادة إحياء التّفكير الإيجابيّ والدّيناميكيّة البنّاءة للمستقبل، والتخلّص من القلق والإحباط واليأس. مع إمكانيّة اعتماد برنامج مكثّف في البداية لمدّة أسبوعين على الأقل، وادخال بعض التّمارين التي تساعد على تعزيز الذكاء الإنفعالي، أو تساعد على الاسترخاء (مثل اليوغا)،
– التّعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية إذا لزم الامر،
– تفعيل البروتوكول الصّحّيّ وتأمين مستلزماته،
– وضع برنامج رياضي متقدّم للتفاعل الفريقي ولتحريك جميع أعضاء الجسم ومفاصله، واعادة تنظيم الدورة الدمويّة، وزيادة المرونة،
– تشجيع الفنون وجميع الأنشطة التي تعزز التّعبير الشّفهي والكتابي والأدائي وغيره.
2-4- مجال التّدريب:
– تدريب المعلّمين والتّلامذة والأهل حول مقاربة التعلّم عن بعد بجميع أبعادها وأدواتها،
– التّدريب على البروتوكول الصّحّي.
2-5- مجال الاعلام التّربوي:
– القيام بحملات توعية متنوّعة بالتعاون مع وزارة الاعلام،
– تفعيل التلفزيون التربوي واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب وغيره.
2-6- في مجال الدراسات والأبحاث التربويّة:
– إجراء البحوث التّربويّة للفهم، للقياس، للإختبار وللتّقييم والتّطوير.
2-7- في مجال الادارة والتعاون والتنسيق والتقييم:
– إشراك جميع المعنيّين بالتّفكّر التربويّ،
– دعم الإدارة التّربويّة، من خلال دعم المؤسّسات والإدارات التّربويّة في القطاعين الرّسميّ والخاصّ، سيّما المؤسسات التربويّة المتعثّرة. ومدّهم بجميع أنواع الدّعم الماليّ والبشريّ والمعنويّ والتقني واللوجستي،
– إصدار قرارات سريعة دون أن تكون متسرّعة، منسجمة فيما بينها ومع الخطّة العامّة للتّعليم في وقت الأزمات،
– التّقييم المستمر للخطّة، ولآداء الأشخاص.
2-8- في مجال المناهج التّعليميّة:
– تحديث المناهج دوريًّا ومقاربتها بالمناهج العالميّة. وذلك من حيث المسارات والموادّ التّعليميّة، والمقاربة التّعليميّة-التّعلّميّة الّتي تجمع التّعليم والتّعلّم النّظريّ التّفاعليّ بالتّطبيقيّ بالذّاتيّ وربطها بالحياة اليوميّة، واستعمال طرق وأدوات تعليم متعدّدة، وإدخال المهارات التّعليميّة والمهارات الحياتيّة، مع التّركيز على التّعلّم بالمشاريع،
– إعطاء عناية خاصة للطفولة المبكرة وللمواطنة الفاعلة في المناهج الوطنيّة،
– تعزيز المختبرات العلميّة داخل المدارس وخارجها ومواكبة التّقدّم العلميّ والتّقنيّات الحديثة،
– اعتماد أسس وأدوات ووضعيّات تقويم تحاكي جميع مستويات التّفكير الدّنيا والعليا ضمن تصنيف بلوم لأهداف التّعلّم (التذكّر، الفهم، التّطبيق، التّحليل، التّقويم، الابتكار)، واستعمال أنواع وأدوات التّقويم المتعدّدة ضمن وضعيّات متنوّعة تحاكي مخرجات التّعلّم، مع مراعاة الفروقات الفرديّة والذّكاءات المتعدّدة والحاجات الخاصّة، إضافة إلى تطوير الامتحانات الرّسميّة،
– ربط التّعليم العامّ والتّعليم المهنيّ والتّعليم الجامعيّ بعضهم ببعض، وبالحياة وبسوق العمل،
– إعداد وتدريب وتطوير قدرات المعلّمين والتّلامذة العلميّة والدّيداكتيكيّة واللّغويّة، ومدّهم بالدّعم النّفسيّ-الاجتماعيّ،
– تطوير البنى التّحتيّة التّكنولوجيّة لمواكبة مشروع المناهج،
– الانفتاح الواعي على العالم والعمل على التشبيك التربويّ في جميع المجالات.
3- مستوى الوعي الوطنيّ العامّ:
– مواكبة وسائل الاعلام من أجل تعزيز الذّكاء العاطفي/الإنفعالي عند جميع المواطنين، والسّعي إلى الإدراك الموضوعيّ النشط والشّمولي، وربط الأحداث لفهم ما يحصل حولنا، واستثمار هذا الإدراك الواعي النشط في تصرفاتنا وطريقة حياتنا وعلاقاتنا مع محيطنا ومع الآخرين للمصلحة العامّة.
الموضوع بدّو رؤية، وفهم، وجرأة، وسرعة، وإنفتاح، وإصرار، وتحمّل للمسؤوليّة.
أولادنا وأساتذتنا بيستاهلوا منّا نكون حدهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى